uncategorizedتقارير

اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري

لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري

يوافق اليوم الأربعاء 30 اغسطس اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري[i] الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2010.

وتمر هذه الذكرى على ضحايا الاختفاء القسري في ليبيا وأحبابهم وأهلهم يعيشون بين الأمل واليأس، الأمل في عودتهم واليأس بسبب طول غيابهم وانقطاع أنبائهم وعدم اهتمام السلطات بمعاناتهم، وهذا انتهاك مستمر لحقوق الغائب وحقوق ذويه[ii]. جرائم الاخفاء القسري تتنامى[iii] في ظل الانفلات الأمني وفشل السلطات الرسمية في اتخاذ خطوات عملية لوضع حد لهذه الممارسات. في كثير من الحالات عندما يتعرض الشخص في ليبيا للاعتقال التعسفي، يظل لفترة قد تمتد لأشهر في عزلة عن العالم الخارجي، بدون أن يتمكن من التواصل مع أسرته أو تعلم أسرته مصيره، تصل حد الاخفاء القسري.

فشل الحكومات المتعاقبة، منذ سقوط النظام السابق في أغسطس 2011، في أداء واجبها ومسؤوليتها الرئيسة تجاه مواطنيها، مسؤولية الحماية، وفشلها في تعزيز سيادة القانون، دفع ويدفع ثمنه الأبرياء من مواطنين ووافدين. وفقاً لأحدث تقرير[iv] للهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين (الهيئة) أن عدد المفقودين في ليبيا والمسجلين بالهيئة 3’683 شخص، وأنها تعاملت مع 1’777 جثة منذ عام 2011، تم تحديد هوية 279 ضحية. وفقا للسيد رئيس الهيئة[v] فإن نسبة الإنجاز في بناء قاعدة البيانات الوراثية لذوي الضحايا، المسجلين في الهيئة، وصلت 75%.

يتعرض المهاجرون في ليبيا للاختفاء القسري، حيث يتبع جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية سياسة عدم توثيق أسماء وبيانات المهاجرين وطالبي اللجوء المحتجزين في مراكز “الإيواء”، مراكز الاعتقال التي يديرها الجهاز، ويمنع عنهم التواصل مع العالم الخارجي. ويصل احتجاز بعض المهاجرين الى فترات طويلة تزيد أحيانا عن العام. شهر يوليو الماضي، أعرب خبراء أمميون[vi]، مقررين خواص وخبراء مستقلون، عن “قلقهم البالغ إزاء أوضاع المهاجرين واللاجئين في ليبيا، حيث يُعتقد أنهم يحتجزون ويعذبون ثم يتم تحريرهم بعد ذلك من قِبل السلطات الليبية حيث يتم نقلهم إلى مراكز احتجاز مجهولة يواجهون فيها خطر التعرض للمزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بما فيها أفعال ترقى إلى الاختفاء القسري”.

ولا زالت المقابر الجماعية في مدينة ترهونة والحقول المحيطة بها تكشف – منذ شهر يونيو 2020، عندما انسحبت المليشيات الموالية للواء المتمرد خليفة حفتر من المدينة – حجم الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها مليشيا الكانيات. وفقاً لتقرير رابطة ضحايا ترهونة، أنه وحتى 22 أغسطس 2023 تم انتشال 284 جثمان من 99 قبر غير مُعَرَّف، منها 51 قبر جماعي، من مدينة ترهونة وضواحيها[vii]، وأنه تم تحديد هوية 203 ضحية منها، فيما لا يزال 81 جثمان لم يتم تحديد هويتها بعد.

إن الاختفاء القسري “يعتبر انتهاكا خطيرا وصارخا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية[viii]، فهو “يحرم الشخص الذي يتعرض له، من حماية القانون، وينزل به وبأسرته عذابا شديدا [ix]. وهو ينتهك قواعد القانون الدولي التي تكفل، ضمن جملة أمور، حق الشخص في الاعتراف به كشخص في نظر القانون، وحقه في الحرية والأمن، وحقه في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة. كما ينتهك الحق في الحياة أو يشكل تهديدا خطيرا له[x].

يتعلل بعض مرتكبي جرائم الانتهاكات بالظروف الاستثنائية وانعدام الاستقرار السياسي وحالة الحرب التي تعيشها ليبيا، إلا أن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري[xi] تنص في المادة الأولى، الفقرة 2، على أنه “لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري“.

كما أن الاختفاء القسري، وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، يعتبر جريمة ضد الإنسانية عندما يُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم. وفضلا عن ذلك، فإن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة فيما يتصل باختفاء أحبائهم.

منظمة التضامن تدعو جميع الأطراف المتنازعة بعدم استخدام الاختفاء القسري كأداة من أدوات الحرب، وتطالبها بالإفراج الفوري عن المختطفين لديها دون شرط أو قيد وتُذَكِرُها بأن الاختفاء القسري يعد جريمة ضد الإنسانية[xii]، حيث نص نظام روما الأساسي في مادته السابعة الفقرة (1/ط) على أن الاختفاء القسري جريمة من الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم[xiii].

وتنص المادة السادسة (الفقرة 1/أ) من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري[xiv] على تجريم “كل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها”، كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة أنه “لا يجوز التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة من سلطة عامة أو مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير جريمة الاختفاء القسري”. ويجرم قانون العقوبات الليبي جريمة الإخفاء القسري[xv] ويعاقب عليها بالسجن، وفقا للقانون رقم (10) لسنة 2013 “بشأن تجريم التعذيب والاخفاء القسري والتمييز”.

وتدعو التضامن الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين إلى ضرورة نشر الاحصائيات في موقع الهيئة على شبكة المعلومات وتحديثها باستمرار. كما توجه التضامن ندائها الى أقارب ضحايا الاختفاء القسري (المفقودين) إلى ضرورة المبادرة الى تسجيل حالة الاختفاء القسري وتوفير عينات الحمض النووي للمساعدة في التعرف على المفقودين. وفقا لرئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين[xvi] يوجد لديهم تقريبا 90 جثمان مجهولة الهوية، تم العثور عليها في مواقع مختلفة، ولم يتمكنوا من التعرف على الهوية في قاعدة البيانات الوراثية، ويعزو ذلك الى عدم قيام ذويهم بتسجيل حالات الاختفاء القسري.

كما توجه التضامن ندائها إلى السلطات الليبية، المتمثلة في حكومة الوحدة الوطنية؛

  • اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإنهاء هذه الظاهرة، وتذكرها بأنه وفقا للقوانين الليبية والدولية كل شخص محروم من حريته يجب أن يكون في مكان حجز معترف به رسميا وأن يمثل أمام القضاء دون تأخير،
  • التوقيع على “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” لتعزيز حقوق الإنسان في ليبيا، و
  • تجديد الدعوة[xvii] إلى الفريق المعني بحالات الاختفاء القسري لزيارة ليبيا في أقرب وقت ممكن.

منظمة التضامن لحقوق الإنسان

طرابلس – ليبيا

30 أغسطس 2023

[i] الأمم المتحدة: “اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، 30 آب/أغسطس“.

[ii] مأساة ضحايا الاختفاء القسري قائمة في ليبيا منذ أربعة عقود، فلا يزال مصير المئات ممن غيبهم نظام القذافي، أمثال جاب الله حامد مطر والدكتور عمرو النامي وعزات المقريف والمئات من ضحايا مذبحة سجن أبو سليم، مجهولا. وكذلك لا يزال مصير عضو مجلس بلدية بنغازي المنتخب عصام الغرياني، ورئيس قسم البحث الجنائي ببنغازي المقدم عبد السلام المهدوي، والناشط السياسي عبد العز بانون، والأمين العام لهيئة علماء ليبيا الدكتور نادر العمراني، والشاب وائل المالكي الذي اختفى بالقرب من بيت أسرته عام 2014 وكان آنذاك يبلغ من العمر 17 عاما، وغيرهم من مئات ضحايا الاختفاء القسري في السنوات التي تلت سقوط النظام السابق، لا يزال مصيرهم مجهولا.

[iii] في عام 2017 وثقت التضامن لحقوق الإنسان 332 ضحية جديدة من ضحايا الاختفاء القسري، وفي عام 2018 وثقت التضامن 247 ضحية جديدة، وفي عام 2019 وثقت التضامن 344 ضحية جديدة، وفي عام 2020 وثقت التضامن 106 ضحية جديدة، وفي عام 2021 وثقت التضامن 38 ضحية جديدة لتنضم الى مئات الضحايا الذين اختفوا في السنوات السابقة. منظمة العفو الدولية في تقرريها “ليبيا: “اختفوا عن وجه الأرض”: مدنيون مختَطفون في ليبيا” بتاريخ 5 أغسطس 2015 نقلت عن جمعية الهلال الأحمر الليبي أن “ما لا يقل عن 378 شخصا من أصل 626 حالات اختفاء قسري سجلها الهلال الأحمر لازال مصيرهم آنذاك مجهول منذ اعتقالهم في فترات متفاوتة منذ 2011”.

[iv] الاحصائيات المذكورة [عدد المفقودين في ليبيا والمسجلين بالهيئة (3’683) شخص، وأنها تعاملت مع (1’777) جثة منذ عام 2011، وتم تحديد هوية 279 ضحية] تحصلت عليها منظمة التضامن مباشرة من رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين.

[v] قناة الأحرار: “لقاء خاص مع رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين كمال السيوي“، 10 يونيو 2023.

[vi] أخبار الأمم المتحدة: “خبراء أمميون يعربون عن القلق بشأن أوضاع المهاجرين واللاجئين في ليبيا“، 21 يوليو 2023. اقتباس “وأشار الخبراء إلى أن نحو 700 شخص تم تحريرهم ونقلهم إلى مراكز احتجاز، بعد أن كانوا محتجزين كرهائن حتى يتم دفع فدية لإطلاق سراحهم، وتعرضوا للتعذيب في مواقع عدة في بلدة تازربو جنوب شرقي ليبيا، على مدار العامين الماضيين. وأعرب الخبراء الأمميون عن “انزعاجهم من مماطلة السلطات الليبية في التعامل مع المخاوف بشأن الإتجار باللاجئين والمهاجرين، وانتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان بما فيها الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والعنف الجنسي””. الخبراء: سيوبهان مولالي، المقررة الخاصة المعنية بالإتجار بالأشخاص وخصوصا النساء والأطفال؛ تومويا أوبوكاتا، المقررة الخاصة المعنية بأشكال الرق المعاصرة وأسبابها وعواقبها؛ فيليبي غونزاليز موراليس، المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان للمهاجرين؛ فيرناند دي فارينيس، المقرر الخاص المعني بقضايا الأقليات؛ أوا بالدي، رئيسة مقررين؛ غابرييلا سيتروني، نائبة رئيسة المقررين؛ أنجيكانا نيلابايجيت، وغرازيانا بارانوفيسكي، وأنا لورينا ديلغاديو بيريز، من الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي؛ بريا غوبالان، رئيسة مقررين؛ ماثيو جيليت، نائب رئيس مقررين للاتصال؛ جانا يودكيفسكا، نائبة رئيسة مقررين للمتابعة؛ مريم استردا كاستيو، ومومبا ماليلا من الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي.

[vii] رابطة ضحايا ترهونة: “تقرير رابطة ضحايا ترهونة لسنة 2022“، 31 ديسمبر 2022. قامت التضامن بإضافة عدد المقابر التي تم العثور عليها، وعدد الجثامين التي تم انتشالها، وعدد الضحايا الذين تم تحديد هوياتهم، خلال الفترة من 1 يناير 2023 إلى 22 أغسطس 2023.

[viii] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 133 الدورة 47: “الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”، الفقرة الأولى من المادة الأولى، 12 فبراير 1993.

[ix] نموذج للعذاب الذي يتعرض له ضحايا الاختفاء القسري، جريمة اختطاف وقتل أطفال أسرة الشرشاري من مدينة صرمان. يوم 7 أبريل 2018 تم العثور على رفات أبناء عائلة الشرشاري بعد مضي قرابة ثلاثين شهرا على اختفائهم، بعد أن اختطفتهم عصابة من المجرمين يوم 2 ديسمبر 2015. أسرة الأطفال الثلاثة [ذهب رياض الشرشاري (تاريخ الميلاد 9 أبريل 2004)، عبد الحميد رياض الشرشاري (تاريخ الميلاد 27 مايو 2007)، ومحمد رياض الشرشاري (تاريخ الميلاد 15 فبراير 2009)] ظلت تعاني طوال فترة اختفائهم على أمل عودة أطفالها الأبرياء لتكتشف أن العصابة المجرمة قامت بقتلهم بعد اختطافهم ببضعة أسابيع. منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “بيان منظمة التضامن بشأن العثور على رفات أبناء الشرشاري“، 7 أبريل 2018.

[x] الفقرة الثانية من المادة الأولى من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (133/47).

[xi] الأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري“، 20 ديسمبر 2006.

[xii] ديباجة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (133/47): “وإذ ترى [الجمعية العامة] أن الاختفاء القسري يُقوض أعمق القيم رسوخاً في أي مجتمع ملتزم باحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأن ممارسة هذه الأفعال على نحو منتظم يعتبر بمثابة جريمة ضد الإنسانية”.

[xiii] نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليه 1998.

[xiv] الأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري“، 20 ديسمبر 2006.

[xv] قانون رقم (10) لسنة 2013 “بشأن تجريم التعذيب والاخفاء القسري والتمييز“، المؤتمر الوطني العام، 14 أبريل 2013. المادة (1) “الاخفاء القسري” الفقرة (1) ” يعاقب بالسجن كل من خطف إنساناً أو حجزه أو حبسه أو حرمه على أي وجه من حريته الشخصية بالقوة أو بالتهديد أو بالخداع. “.

[xvi] قناة الأحرار: “لقاء خاص مع رئيس الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين كمال السيوي“، 10 يونيو 2023.

[xvii] لقد وجهت الحكومة الليبية، الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الرحيم الكيب، دعوة مفتوحة لجميع الإجراءات الخاصة بحقوق الإنسان، فرق العمل الخاصة والمقررين الخاصين والخبراء، التابعة لمكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، لزيارة ليبيا خلال كلمته التي ألقاها أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف خلال الدورة الاعتيادية للمجلس رقم (19) 27 فبراير – 23 مارس 2012.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى